Friday, February 26, 2010

الطريق مسدود




يقولون أن الصورة تعادل ألف كلمة، لذلك فالصورة المتحركة تعادل ألف خطاب، ونحن قد برعنا في فن الخطاب وفشلنا في إكتساب قلوب الآخرين، وبالرغم من عدالة قضيتنا إلا أننا نستخدم إسلوب خطابي حماسي ثوري تهديدي توعدي قد يلهب قلوبنا ولكنه ينفر قلوب الآخرين، يقف القائد الفلسطيني وسط آلاف يزعق ويهدد ويتوعد بالساعات ويرتقب العدو الإسرائيلي كلماته فينتقي منها مايدين الطرف الفلسطيني ليعيد طرحها للمجتمع الأمريكي من خلال آلته الإعلامية فيزداد الغرب نفوراً منا بالرغم من عدالة قضيتنا وكلما زادت مدة الخطاب وزادت حماسة الخطيب وسعت دائرة إنتقاءات العدو، وإذا كان هناك تحيز غربي وبالتحديد أميركي واضح للجانب الإسرائيلي على حساب حقوقنا فهو نتاج اللوبي الصهيوني وطريقته في التأثير على السلطة الأميركية من خلال مؤسساتها المختلفة، ولكن أن يتعاطف الرأي العام الأميركي والمجتمع الأمريكي مع إلإسرائيليين على حساب العرب والفلسطينيين فهناك خطأ ما في التناول والتعامل والخطاب الموجه لهم

الأسبوع الماضي أعلن معهد جالوب الأميركي أكبر مركز إستطلاعات رأي في العالم نتيجة لإستطلاع رأي عن مدى تعاطف الأميركيين مع 20 شعب من شعوب العالم ومدى دعمهم لهم، والنتيجة المفاجئة أوضحت أن 67% منهم يتعاطفون مع إسرائيل التي حلت في المركز الخامس بين الشعوب العشرين، بينما يتعاطف 20% فقط مع الشعب الفلسطيني المظلوم والذي حل في المركز السابع عشر بين عشرين شعب، إذن الإنحياز ليس فقط حكومي ولكنه أيضاً شعبي ، لماذا نفشل دائماً في كسب التعاطف الشعبي بالرغم من عدالة قضيتنا وبالرغم من الجور والظلم الواقع على حقوقنا ؟، السبب أننا لانجيد فن التعامل والتناول لقضيتنا والتسويق لها بالشكل السليم، بينما العدو ينشط ويُسوّق نفسه بكل سهولة، ليس بسبب أفعاله ولكن بسبب أخطائنا، نحن نقف نخطب ونزعق ونهدد ونكيل ونتوعد وهو يستقبل ويعيد الإرسال، والآخر لايريد أن يرى زعيقاً أوصوتاً عالياً ولا وجوه عابسة غاضبة حانقة ليتعاطف، هو يتعاطف مع من يخاطب قلبه وروحه وضميره، وهذا الخطاب أكثر مايكون في الفنون والآداب، في القصص والروايات، في الصور والأفلام، في الفن والإبداع ... ويتبقى سؤال هام ولماذا نسعى لكسب تعاطف الشعوب الغربية ونريد كسب قلوبهم في حين أن مطالبنا عادلة والحق في صفنا، والإجابة بديهية أن حكومات تلك الدول تحترم شعوبها وتنزل على رغبتهم لأنها حكومات منتخبة من الشعب، فإذا إستطعت أن تكسب تعاطف شعوبهم وقناعة مواطنيهم كسبت إهتمام حكوماتهم بقضيتك

كانت تلك المقدمة الطويلة تمهيداً لفيلم رسوم متحركة فلسطيني مدته دقيقتين ونصف الدقيقة فقط يرسل رسالة أبلغ من ألف خطاب حنجوري، وأقوى من ألف شخص مقنع يخفي وجهه ويحمل السلاح ويحمل إسم كتيبة أو ميليشيا، في وقت يفترض فيه أن تكون صور هؤلاء وخطب هؤلاء وسلاح هؤلاء في السر وخفية بعيداً عن أعين الكاميرات، هكذا تقول السياسة وهكذا يقول الذكاء، الفيلم الفلسطيني يحكي في دقيقتين ونصف عن طفل تتحطم براءته في صورة معبرة مؤثرة أمام الصلف الإسرائيلي عندما يحاول أن يلهو ببراءته مثل كل طفل فيلعب بإطار يحركه ويجري خلفه ويدفعه بعصاه الخشبية، حتى يصطدم برجل أمن إسرائيلي يمثل الحاجز أو نقاط التفتيش، يطيح الرجل بإطار الطفل وكأنه يطيح ببراءة الطفولة، ويعاود الطفل الكَرّة ثانية وثالثة ورابعة وفي كل مرة يزداد غيظ وعنف رجل الأمن الإسرائيلي .. وقبل نهاية الفيلم تتضح الفكرة .. أفضل نشاهد الفيلم ونرى







فلنجعل مليشياتنا وكتائبنا حاضرة في ثكناتها بعيدة عن عدساتنا، ولنجعل خطبنا الثورية في غرفنا المغلقة بعيدة عن ميكروفوناتنا، ولنظهر بوجه آخر للعالم نقدم فيه فنوننا ونخاطب به قلوبهم .. حتى تستطيع السياسة أن تخاطب عقول حكوماتهم


Wednesday, February 24, 2010

الشاعر .. مصطفى الفقي


وماجرحٌ في رضاك .. ألمٌ



جلس الشاعر أمام الوالي طامعاً في رضائه فألقى فيه قصيدة مدح أمعن في إنتقاء ألفاظها ، لم تنل القصيدة إستحسان الوالي فقذف الشاعر بالحبّارة فشجّت رأسه وسال الدم منها ساخناً، فما كان من الشاعر إلا أن قال وما جرحٌ في رضاك ألمٌ

المتابع لسيرة السياسي مصطفى الفقي عضو مجلس الشعب ورئيس لجنة العلاقات الخارجية لن يجد فيها إلا سلسلة من الإخفاقات والمواقف الخاسرة، لم يلمع إسم مصطفى الفقي سفير مصر السابق في فيينا إلا عام 1985 عندما عُين رئيساً لمكتب الرئيس مبارك للمعلومات ولمدة سبعة سنوات حتى لفظته الرئاسة عام 1992 عندما تورط إسمه في قضية لوسي آرتين الشهيرة التي راح ضحيتها قيادت أخرى مثل المشير أبوغزالة وزير الدفاع وفادي الحبشي

وبالرغم من قسوة القضية والإقالة إلا أن مصطفى الفقي كان يحظى بتقدير وإحترام الجميع حكومة كان أومعارضة بأرائه السياسية والتحليلية النقدية التي تنم عن علم سياسي واسع، حتى كانت زلته الكبرى في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2005 عندما كان مرشحاً عن دائرة دمنهور أمام مرشح الأخوان المحترم جمال حشمت، كشفت المستشارة نهى الزيني ليلة فرز الأصوات في مفاجئة وسابقة خطيرة على صفحات المصري اليوم تفاصيل التزوير الذي تم في دائرة المرشح ليستبعد المرشح جمال حشمت الفائز بأغلبية ساحقة وليتم تعديل النتيجة بفوز مصطفى الفقي، في ذلك الوقت أيد نادي القضاة و137 مستشاراً شهادة المستشارة نهى الزيني بتزوير النتيجة، وبعد تلك الفضيحة وللإحترام الذي يكنه الجميع لشخص مصطفى الفقي توقع الجميع أن يرفض الفقي نتيجة الإنتخابات بعد هذا اللغط والأدلة التي تشوب فوزه، ولكن بريق السلطة والكرسي جعله يضحي بكل القيم الذي كان يمارسها في كتاباته ومقالاته رافضاً التنازل عن مقعد مجلس الشعب

وقتها سقط مصطفى الفقي من حسابات الجميع وأولهم زملائه أعضاء حزبه، ولم يعد أحد يقيم لمصطفى الفقي وزناً ولاقيمة، وتمر الأيام ولأننا شعب معروف بالتسامح والزمن كفيل بتناسي السقطات، عاد الرجل تدريجيا للأضواء وحاول البعض التجاوب مرة أخرى على إستحياء مع كتاباته وأحاديثه، وفي فورة جديدة لنشاط الرجل قامت المصري اليوم بنشر حديث معه صرح فيه أن الرئيس القادم لمصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل، وكاد الحديث يمر مرور الكرام إلا أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لم يمر عليه مرور الكرام وأرسل للمصري اليوم معلقا على هذا الرأي، فقامت الدنيا ولم تقعد هذه المرة من زملاءه في حزبه على هذا التردي الكبير في تصريحاته

وقتها فقد الرجل دبلوماسيته وصمته وهدوءه المعهود ازاء الحملة الضارية التي وجهت ضده من النظام في تصريحاته لقناة المحور في يناير الماضي قائلاً أنه سيعتزل السياسة نهائياً لأن الحزب الوطني الذي ينتمي اليه "يشرشح له" بسبب خطأ غير مقصود إستغله الكاتب الكبيرهيكل في الوقيعة بينه وبين النظام، ثم هدد متوعداً بعدما تناول حبوب الشجاعة أنا عندي 60 سنة ومش عايز حاجة ولا طمعان في منصب ووطنيتي معروفة للجميع ولن اقبل المزايدة من أحد وإلا فضحت الجميع

ولأن حبوب الشجاعة تظهر قوة ليست في صاحبها عاد مصطفى الفقي يجر أذيال الخيبة وتوقف تماماً عن الحديث مرة أخرى بعدما إستنتج بحساباته أن يسير في المسار الخطأ ، فإلتزم الصمت من بعدها حتى توقع أن الفرج قد جاءه سريعاً من أوسع أبوابه عندما تردد إسم البرادعي وبقوة في الفترة الأخيرة كمرشح مرغوب في الإنتخابات الرئاسية القادمة على غير هوى النظام، ولأن الفقي حساباته خاطئة تماماً فقد توقع أن القدر منحه فرصة جديدة يتملق فيها النظام عسى أن يغفر له زلاته السابقة ويرضى عنه، فخرج مصرحاً بتصريحات يرى أنها تعجب النظام وهو يعلم أنها لن تعجب الشعب ولاضميره ولكنها السياسة القذرة، صرح الفقي في ندوة مشتركة لناديي "ليونز إيزيس" و"ليبرتي" بأن البرادعي لا يصلح لرئاسة مصر واللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش، وبعيدا عن المستوى الهابط في الحديث إلا أن الرجل يراهن هذه المرة على ذاكرة الناس القريبة معتقداً أن الناس لا تقرأ وإذا قرأت فهي تنسى سريعاً

عفوا ياسيدي الفقي فأنت يبدو أن سقطاتك المتكررة والسريعة تفقدك تركيزك فتحاول أن تخرج من أحداها لتكتشف أنك وقعت في سقطة أخرى، هذا البرادعي يافقي والذي تصرح بأنه لايصلح للرئاسة وأن اللي نعرفه احسن من اللي مانعرفوش يتناقض كلياً مع ماقلته في الماضي القريب عن البرادعي عندما كان البرادعي في أوج نجاحاته الدولية وتتفاخر به السلطة في مصر، فيبدو أنك نسيت او تناسيت ماكتبته عنه في المصري اليوم منذ أكثر من عامين في نوفمبر عام 2007 في مقالتك التي كانت وللصدفة تحمل إسم محمد البرادعي وتشمل شعراً وغزلاً في البرادعي عندما قلت بالنص

محمد البرادعي في نظري هو نموذج فريد للإنسان الموضوعي الملتزم الذي تشرف به الوظيفة الدولية التي يشغلها، فهو إنسان صلب متجرد من التأثيرات الجانبية ويتمتع بدرجة عالية من شجاعة الرأي والصدق مع النفس والبعد عن الهوي، ولا غرو فهو ابن لشخصية وطنية مرموقة، فوالده- رحمه الله- نقيب سابق للمحامين معروف بمواقفه الجريئة ومبادئه الثابتة التي التزم بها في كل الظروف

ولقد ورث الابن عن أبيه الخلق الرفيع والعلم الغزير والتواضع الذي لا يخلو من مسحة حياء ونزعة كبرياء

أن ذلك المصري العظيم يحظي باحترام شديد لدي الدوائر المختلفة في الوكالة ووفود الدول فيها، كما أنني لاحظت أيضا أن الدكتور «هانز بليكس» المدير العام للوكالة حينذاك- وهو وزير سابق للخارجية في «السويد» وقد أمضي قرابة ستة عشر عاما كمدير للوكالة- يتعامل مع الدكتور «البرادعي» في ندية واحترام شديدين

كان «ابن النيل» محط أنظار العالم كله وهو يتقدم نحو أكثر المناصب الدولية حساسية في العصر الحديث وهو منصب ظل يشغله علي امتداد السنوات العشر الماضية، وقد استطاع الدكتور «البرادعي» بحكمته وحصافته أن يرفع الحرج عن نفسه بحكم انتمائه للحضارة العربية الإسلامية التي ينظر إليها الغرب بكثير من الشك والحذر،

وكثيرا ما تنقل الدكتور «البرادعي» بين العواصم النووية الساخنة شرقا وغربا بدءا من «بيونج يانج» وصولا إلي «القدس» مرورا «بطهران» وغيرها من مناطق التوتر النووي والنشاط الذري، ولست أنسي أبدا عندما زارني في مكتبي بالسفارة بعد انتخابه مديرا عاما للوكالة الدولية الذرية بأيام قليلة لكي يسلم لي جواز سفره الدبلوماسي المصري بعد أن أعطته «الوكالة» جواز سفر دولياً هو الأقوي من نوعه، ونحن لا ننسي موقفه قبل غزو العراق وبعده ولا نتجاهل شهادته العادلة تجاه البرنامج النووي الإيراني ولا ننسي لقاءه المهم مع «شارون» في العاصمة الإسرائيلية، وأتذكر أيضا كيف عرضت عليه بعد ذلك أرفع المناصب في بلاده فاعتذر شاكرا وآثر أن يواصل مهمته الصعبة في ظل الظروف الدولية الراهنة، إنه صديقي الذي أعتز به وبأسرته وأسعد بلقائه في كل زمان ومكان

يارجل أين حمرة الخجل !؟ هذا بعض مما قلته منذ عامين، واليوم تشن هجوماً ساذجاً على الرجل طمعاً في رضاء مبارك ونجله، ياسيدي لقد بارت بضاعتك وفسدت ولم يعد يقبل عليها أحد وفاحت رائحتها الكريهة ومقتها الشعب وإنصرف عنها، أما آن لك أن تجمعها في صمت وترحل وكفاك ذلا وهواناً، ولاتتعامل بطريقة شاعر الوالي "وماجرحٌ في رضاك ألمٌ" لأن الوالي وقتها إزداد إحتقاره للشاعر مثلما نحن إحتقرناه

Tuesday, February 23, 2010

لماذا البرادعي .. !؟




تأخرت طائرة البرادعي عن الوصول ساعتين عن الموعد المحدد لها سابقاً، وبدأ التململ يظهرعلى وجوه البعض شوقاً لرؤية البرادعي لتوصيل رسالة تأييد له ، كانت أم ومعها طفلتها عندما سألت الطفلة والدتها .. ماما .. ماما هو جدو البرادعي هاييجي إمتى ؟ أجابت الأم بصوت هامس ونظرها معلق على باب صالة الوصول إصبري ياحبيبتي فات الكتير مابقى إلا القليل، سمعها أحد الحاضرين وأرسلها لتنشر على حائط جروب البرادعي على الفيس بوك

لاشك أن تلك المرأة كانت تجيب على نفسها أكثر مما تجيب على طفلتها التي على مايبدو أنها لن تفهم ردها ، فات الكتير مابقى إلا القليل، الأم تصبر نفسها بمعنى قريب على وصول الطائرة وبمعنى بعيد يعبر عن إنتظار دام ثلاثون عاماً لم يبقى منه إلا شهور

هذا هو الأمل .. في عام 2005 ظهر هذا الأمل خائفاً ضعيفاً في فترة الإنتخابات الرئاسية السابقة وسرعان مازاد قليلاً وتدريجياً مع ظهور تأييد شبابي لأيمن نور ، تأكد معه البعض بعد ظهور النتيجة أنه لم يكن إلا سراباً، أمل سرعان ماتم وأده مع حقيقة إستحالة التغيير وفقدنا الأمل .. ومع مرور السنوات زادت الإحباطات ونما اليأس في التغيير بشكل فعّال فلم يظهر جواد جديد يحمل رياح التغيير، وتم حرق جميع من يمكن أن تظهر لديه بوادر أمل في التغيير على المسرح السياسي، وتمر السنوات ويضيق الوقت وتقترب أيام إنتخابات رئاسية جديدة غامضة في مرشحها وإن لم تكن غامضة في أن من سيفوز بها سوف يكون واحد من آل مبارك، حيث كل الشواهد تدل على ذلك فلا تعديل لمادة من له حق الترشيح في الدستور ، ولا مرشح بديل يصلح ، وكل من تتوافر فيهم الترشيحات لايحظوا بقبول كافي لدفع الأمل

يموت الأمل وتحترق القلوب كمداً في توقع إستمرار هذا الملل لستة سنوات أخرى ، ملل وجمود سياسي وفوضى سلطة تنفيذية وفساد وفقر ومحسوبية ورشاوي وإستغلال نفوذ وإنعدام شفافية ووجوه كالحة سميكة الجلد لاهم لها إلا تمجيد الحاكم أولاً والشعب لايأتي حتى ثانياً

وبينما الشعب يزفر آخر نفس أمل ، يظهر البرادعي على الساحة ، صرح البرادعي يوماً ما في شهر نوفمبر على قناة السي إن إن رداً على سؤال عابر عن إمكانية ترشيح نفسه لرئاسة مصر، وكانت إجابته تشمل معنى ولِم لا !؟ إستقيظ الشعب فجأة من غفوته وتسائل معه ولِم لا !؟ ولكن كيف ؟ كان هناك سبّاقون ثائرون لم يتسائلوا مثل الآخرين كيف، ولكنهم أعطوا تصريحه دفعة قوية بدعمه وتأييده وإنتشرت عدواهم إلى آخرين ولكن على إستحياء

لجأت السلطة وقتها إلى طريقتها التقليدية الدائمة في حرق الجواد الجديد الذي جاء على غير توقع من خلال الصحف القومية بمقالات نقدية تنتهك وتنهش في الرجل، ولكن سرعان ماتحولت تلك المقالات إلى كاريكاتيرات يتندر بها الناس على هؤلاء الكتبة الجهلة الذين لم يحسبوا حسابا لكلامهم، بل ولم يهتموا حتى بأن يتقنوا مقالات إنتقادتهم للرجل، فقدموا له هدية إنتشار له نتيجة مقالات أخرى تعلق على سذاجة هجومهم وشخصنته، فإزداد الحوارعلى الرجل وبدأ إسمه يرن في الآذان وإمكانية ترشحه تتناقلها الأفواه

ويبدو أن السلطة أدركت خطأها في التعامل مع الوافد الجديد فلجأت لوسيلة أخرى وهي التجاهل التام وتمارسها حتى الآن لعلّ ماتعتقده ظاهرة سوف تأخذ وقتها وتقتل نفسها بنفسها سريعاً، ولكن يبدو أن البرادعي قد إزداد قوة نتيجة الشحنة المعنوية التي وجدها في الإستقبال الحار له في المطار، أو الإحتفاء به بتناقل أخباره عقب وصوله وصراع الفضائيات لإستضافته، مما كان له عظيم الأثر في نفوس آخرين كانوا متشككين في عودة الأمل، ولكنهم سرعان ماأعادوا النظر في رأيهم، ولكن يظل هناك كثيرين جداً بعيدين .. بعيدين عن الحس السياسي والحياة السياسية لايهتمون ولايطرقون بالاً لما يحدث، وهم قوة لايستهان بها ولكنها تظهر في اللحظات الأخيرة فتهز الجبال ، جماهير فقط تنتظر أن تتأكد وتتيقن بنسبة كبيرة أن هناك تغيير يحدث وقتها سوف يحدث الزلزال

هذه النوعية من الجماهير هي نفسها من نفس العينة التي عرضها التقرير المحرج للبرادعي في العاشرة مساء، عندما إستطلع أراء بعض الناس البسطاء بسؤال هل تعرفون البرادعي !؟ فأجاب أحدهم أنه يعتقد أنه شخص حاصل على شهادة الأيزو، وأخرى تقول أنه بتاع الكنابل، وثالث يقول طبعا أعرفه هو عبد الله غيث ، وهو يقصد مسلسل شهير شارك فيه الممثل الراحل كانت فيه إحدى الشخصيات المحورية تحمل إسم البرادعي، وبالرغم من أن تلك الشخصيات البسيطة التي إستضافها التقرير هي أكثر من يحتاج للتغيير، إلا أن تهميشهم وإبعادهم عن الحياة السياسية وجعل السياسة بالنسبة لهم مرادفاً للأمن والسجن والإعتقال جعلهم ينأون كاملا عن تنمية وعيهم السياسي، وإذا كان التقرير يبدو ظاهره أنه مُحرج للبرادعي إلا أنه أكثر مايدين السلطة نفسها وبشكل آخر يدعم البرادعي بعرض نماذج من البشر أفقدتهم حكومتهم وعيهم السياسي ليصير لها الملعب وحدها تعثوا فيه كما تريد

جاء البرادعي مسلحاً بالأرقام والمعلومات عن المشاكل التي تعاني منها مصر، فيقضي على كل قول بأنه بعيد عن مشاكلنا ومعه روشتة عامة في العلاج بإصلاح سياسي يبدأ بإصلاح دستوري معيب ومهلهل على حد قوله، وبتوضيح أن نواب الشعب لايمثلون الشعب تمثيلاً حقيقياً وأنهم نتاج إنتخابات مزيفة وغير حرة، وأوضح البرادعي بأن المهمة ليست بالهينة وتحتاج لدعم شعبي وهو مازال يتحسس إمكانية ذلك حتى لايصاب بالخذلان

ومن ينظر إلى مطالب البرادعي يجدها ليست بالجديدة، فنحن ننادي ليلاً ونهاراً بإصلاح التعليم ليحدث التقدم ونطالب بالحرية والديمقراطية ليحدث التطور ونطالب بإصلاح دستوري لتنطلق الديمقراطية ، تلك مطالب أي شخص عادي حتى من له جانب قليل من الإطلاع يستطيع أن يطالب بذلك .. إذن فما الجديد في البرادعي !؟.. الجديد هو البرادعي نفسه فمن يطالب بذلك دائماً تطاله ألسنة الإتهامات والتشكيك فيحترق قبل أن ينتهي من تلفظ مطالباته، وينصرف عنه الناس في لحظات .. الجديد في البرادعي أنه حتى لو طالته بعض الإتهامات فلن تنال منه فهو نظيف لم تشوبه أي عمليات تشويه، الجديد في البرادعي أنه ليس مرهونا على تيار سياسي معين فلايمكن تحزيب إتجاهاته، وأهم مافي المرشح الرئاسي في وقتنا الحالي أن يكون توافقي ترضى عنه التيارات المختلفة .. لذلك البرادعي هو الرجل المناسب الذي نتمنى أن يكون في الوقت المناسب وإلا تاه منا الأمل مرة أخرى ، وقد علمتنا الحياة أن كثرة فقدان الأمل لا تولد إلا اليأس

إنتزعوا الأمل من براثن الملل قبل أن يفترسه وتصبحوا على مافعلتم نادمين