
هناك نواب في مجلس الشعب لانسمع عنهم مطلقاً نظراً لمحدودية أمكانياتهم أو أفكارهم أو مُآثرتهم السلامة في عدم النقاش على مواضيع مطروحة، حتى لايرتكبوا أخطاء لدى أحزابهم تطيح بهم وخصوصاً أن تقييم العضو الصامت لدى قيادات الحزب الحاكم غير سلبي، وقد يؤاخذ العضو المحاور المثير للقضايا ويُحرم من وضع نفسه في جداول الترشيح للدورة التالية، فالأولوية الأولى والأخيرة هي رضاء قيادات الحزب المسؤولة عن الترشيح، أما الناخب وهو أساس العملية الإنتخابية فرأيه لايهم ولاقيمة له حيث ينجح أخيراً من يرض عنه الحزب لا من يرضى عنه الناخب
من هذا المنطلق ومع أفول الدورة البرلمانية الحالية ومشارف إنتخابات برلمانية جديدة يتم فيها إعداد أسماء المرشحين عن الحزب الحاكم، يبادر البعض بتقديم فروض الطاعة والولاء طمعاً في أن يكون أسمهم ضمن قوائم الترشيحات الجديدة، وهي فروض لاتراعي مصلحة الناخب من قريب أو من بعيد، بل تزايد حتى تصَف بالولاء للحزب ويُدرج أسمها بقوائم الترشيحات، وبعضهم وهو يقدم تلك الفروض ينزلق فيكون ملكياً أكثر من الملك ويتفوه بمطالبات لايدرك مداها أو أهميتها فتضعه في موضع المسائلة حتى من أرباب حزبه
من المتعارف عليه أن نائب مجلس الشعب المنتخب هو شخص في الأساس محل ثقة أصبح ممثلاً لفئة عريضة من مواطنيه، ومسؤل بشكل مباشر عن صياغة قوانين تدير الحياة في مصر ويطلق عليه بتعبير آخر لقب المشرّع عند تفسير من يضع القانون، لذلك يزداد شعر رأسي شيباً وأنا أتخيل أن هذا النائب بتلك العقلية والثقافة الضحلة هو أحد الموكلين والمسؤلين عن مناقشة وصياغة قوانين تحكم شعب كامل

طالب نائب الشعب بإطلاق النار على المتظاهرين الذين يرى أنهم يفسدون الحياة السياسية في مصر ويعكرون صفو مزاجه، عندما يتجه المتظاهرون لنواب الشعب على رصيف مجلسهم مطالبين بالتغيير وليطالبوا بحقوقهم بطريقة نعرف كلها أنها سلمية لاتتعدى مجموعة من الهتافات وبعض الرايات تعبر عن مطالبهم، وبدلا من أن يُستفز النائب من التعامل القمعي القاسي والوحشي من الأمن مع هؤلاء المطالبين ويفزع لإهانتهم وضربهم وسحلهم والتحرش بهم، نجده يحرض الأمن على مزيد من القمع بإطلاق الرصاص عليهم بدلاً من تلك الحنية في التعامل معهم من وجهة نظره، أي عقل أو منطق يستطيع أن يتقبل تلك الأفكار الجبانة من نائب مفترض أنه صوت الشعب ؟
في خلال اللقاء تمسك الرجل مراراً وتكرار بجملة أنا لم أقصد المتظاهرين ولكني أقصد الخارجين على القانون، ماذا يعني بالخارجين على القانون ؟ ومن هم وكيف يتم تمييزهم من المتظاهرين لإطلاق النار عليهم؟ أحد الناشطين على تويتر أقترح تعقيباً على ذلك بأنه على المتظاهرين غير الخارجين على القانون بأن "يلبسو جزم بتنوّر"، وماذا إذا إكتشفنا أنهم ليسوا خارجين على القانون بعد إطلاق النار عليهم؟ جملة مطاطة وغريبة لاتتفق مع أي منهاج .. حتى لو هم خارجون على القانون .. هل يتم إطلاق النار عليهم؟ أو ليس كل من يتم القبض عليهم في جميع القضايا هم خارجون على القانون في نظر الشرطة؟ وعلى المحكمة في النهاية أن تحدد من هم الخارجون على القانون وتعطي حكمها بالعقوبة المناسبة للخروج على القانون؟ أو ليس الخارج على القانون له حق كفله له الدستور والقوانين التي وضعت لتنفيذه تتيح التحقيق معه ثم محاكمته ومن ثم تطبيق العقوبة عليه؟ ولنفترض أن الخارج على القانون هو من يضرب رجل الأمن أو قوة مكافحة الشغب؟ أو ليس له حق الدفاع عن نفسه عندما يتعرض للقمع والضرب والسحل والتحرش الجسدي به؟ أو ليس القانون كفل لرجل الشرطة حماية تقتص من المعتدي مثله مثل أي مواطن؟ ولماذ لم يطالب النائب بنفس القوة بأن يُحاكم رجل الأمن "ولن أقول بإطلاق النار عليه" الذي يعتدي على مواطن وإهانته وضربه والسحل به بما لايتوافق مع كل القوانين؟ أليس رجل الأمن في تلك الحالة هو أيضا خارج على القانون في تعريفه؟ وهل يستطيع السيد النائب بأن يتفوه على القسوة المفرطة والغير مبررة في تعامل الشرطة العنيف مع الناشطين السياسيين؟

في بداية حوار النائب بالأمس تحرش لفظياً بالناشطة جميلة إسماعيل عندما قال لها أن تزداد جمالاً كلما تحدثت بعصبية وهو ماتجاهلته جميلة لافتة إنتباهه بأن القضية التي يتحدثون عنها خطيرة وهامة، وفي كل دول العالم المتحضر يُعتبر ماحدث جريمة تحرش موثقة وكفيلة بإقامة دعوى جنائية مضمونة النتيجة من قبل المدعي بالحق، ولكن يبدو أن النائب لا علم له بضوابط الكلام ومايمكن أن يصدر عنه ويعاقب عليه جنائياً، لدرجة أن المذيعة منى الشاذلي رأفت بحاله لاحقاً طالبة منه عدم التحدث لأنه يقدم على كلمات تضعه موضع المسائلة القانونية
لانستطيع إلا أن نتوجه بالشكر لقيادات الحزب الوطني للدفع بهذا النائب ليكون مثالاً لكوادر الحزب، وليتعرف الشعب أكثر على نماذج من الحزب تمثله في البرلمان ، كما نشكره على هذه الأمسية الترفيهية التي أضحكت مصر جميعاً بالأمس وكأننا كنا نشاهد أحد فقرات موجة كوميدي
علّمنا التاريخ أن النظام الذي يُقدم على إطلاق الرصاص على متظاهريه .. هو في الحقيقة نظام دون أن يدري يُطلق الرصاصة الأخيرة على وجوده هو