
ثم ضربت المدربة مثلاً أشد وضوحا أنه في بلد مثل هولندا سوف تجد الوزير بعد إنتهاء عمله يصطحب زوجته ويذهب بها لدور السينما وهناك عليه الإلتزام بدوره في صف حجز المقاعد وسوف يعامل معاملة عادية مثله مثل عشرات الأشخاص الذاهبون للسينما، وسوف يرحل إذا نفذت التذاكر دون أن ينال تذكرتيه، والمعاملة هنا ليست نتاج تعامل الوزير ولكنه نابع من ثقافة المواطن العادي في أن الوزير مثله تماماً يؤدي عمله وله حقوقه وعليه واجباته كما هو يؤدي عمله وله حقوقه وعليه واجباته، فلا يُمنح الوزير أمراً متميزاً ولا وضعاً خاصاً في أمور لها علاقة بالعامة، ثم عادت المتدربة وقارنت بين تلك الفروق ومايمكن ان يكون عليه الحال في بلادنا ولاداعي هنا لذكر طبيعة الحال فهي معروفة للجميع، أتذكر أن المدربة تقول أن هناك مقاييس معقدة لدراسة تلك الفروق وتحديدها بدرجات، فتقول مثلاً أن الفارق في معظم دول أوربا بين الطبقات تتراوح بين ثلاث درجات، بينما تتفاوت تلك الدرجات في بلادنا لتصل لتسع درجات مما يزيد المسافة والفارق بين أعلى طبقة وأقل طبقة إلى مستوى كبير، ويجب على الشعوب التي تبغي التنمية العمل على إنقاص تلك الدرجات إلى أقل رقم ممكن
دائماً ما أتذكر هذا القياس وذلك التشبيه الذي ذكرته المدربة الإنجليزية عندما أمر على مواقف تكون تلك الفروق شاسعة بشكل فاضح أو ضيقة بشكل ملحوظ، وآخر ماتذكرت هذا القياس يوم الجمعة الماضي عندما كنت أطالع بعض الأخبار على الإنترنت، عندما مررت علي قمة الهامبورجر

الحكاية ببساطة أن الرئيس الروسي ميديفيدف كان في لقاء مع الرئيس الأميركي أوباما وبينما موكب الرئيسين يمر في مدينة أرينجلتون بولاية فيرجينا، وبدون إعداد مسبق قرر الرئيسان تناول بعض الطعام فترجلا من سيارتهما وتوجها لمطعم محلي للوجبات السريعة إسمه رايز هيل برجر، وهو مطعم عادي يشبه مطاعم ماكدونالدز، وقف أوباما ومعه مديفيدف كأي زبونين يطلبان الطعام من على الكاشير ودفع أوباما الحساب وإنتظر باقي حسابه ثم توجها كلاهما إلى إحدى المناضد الخالية وجلسا عليها وسط بقية الزبائن في إنتظار طعامهما، طلب أوباما ساندوتش شيدر تشيز برجر ومثله طلب ميديفيدف مع بعض الإضافات من الماشروم والهالبينو، ولفت نظري أحد الاصدقاء على الفيس بوك بعد مراجعته الخبر أنهما تشاركا في طبق البطاطس أو الفرنش فرايز فلم يكن طلبهما حتى كومبو ميل، وأثناء تناول الطعام تشاركا في مناقشة بعض القضايا فأطلق الصحفيون على اللقاء قمة الهامبورجر
قد تكون هناك بعض الحراسات على الرئيسين وهذا شيئ مألوف وطبيعي ولكنها حراسات ذكية لاتنتهك حقوق الآخرين ولاتقدر وإلا أصبحت مشكلة كبيرة للحراس وللرئيس، وقد تكون الزيارة من قبيل الدعاية ولفت النظر ولكن في النهاية يتبقى موقف زبائن المطعم العاديين الذي كان تعاملهم مع الموقف على أنهما زبونين فلا تطفل عليها ولا إزعاج، بل كان كل منهم يتناول طعامه ويستغرق في حديثه منشغلا عنهما، تلك هي الثقافة لدى المواطن العادي التي رسخت فكرة تقليص الطبقات والفوارق بين أبناء الشعب الواحد في التعامل العام

تستوقفني دائماً تلك الأمور وأجد يومياً أخبار تؤكد تلك الفكرة في تقليص الطوابق، منذ أسبوعين كانت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا تحضر إحدى مباريات البلولو بويندسور وبعد نهاية المبارة إستقلت سيارتها الجاكوار وقادتها، وإلتقطتها كاميرا الديلي ميل وهي تقود السيارة بدون حزام الأمان وبالطبع بدون رخصة قيادة وهوجمت الملكة من الصحافة البريطانية بالرغم من أنها كانت لاتقود السيارة في طريق عام ولكن الصحافة وجدت في عدم إرتداء حزام الأمان خطأ شديد من الملكة، وقانونا عدم إرتداء حزام الأمان يعرض المواطن العادي لغرامة قيمتها ستين جنيهاً إسترلينياً ولكن قانوناً أيضا الملكة هي الشخص الوحيد الذي لايمكن تحرير مخالفة لها لأن المحاكم البريطانية تم إنشائها نيابة عن ملكة بريطانيا ولايجوز في تلك الحالة أن يكون المدعى عليها، لذلك كان توبيخ الصحافة ليس لعدم تحرير مخالفة ولكن لأن الملكة أقدمت على خطأ يعاقب عليه قانونا ًولايجوز لها أن تقدم على مثل هذا العمل حتى لو كانت محصنة من الإدعاء القانوني
فيه إيه .. مين دول .. إيه العالم الغريب ده ؟؟ أتعجب كثيراً عندما تمر علىّ تلك الأخبار وما أكثرها في نفس الوقت الذي تمر فيه الأخبار المحلية بتناقض كامل وواضح وعنوانه غالباً مايكون "إنت مش عارف أنا مين ؟" أتعجب أن هذا الفارق ليس فقط نابعاً من أداء الشخصية الهامة أو المسئولة ولكن أيضا في تعامل المواطن والإعلام لكل التجاوزات العنيفة التي تقابلنا يومياً .. فنحن للأسف حكاماً ومحكومين نحتاج لدروس كثيراً في فهم الديمقراطية قبل أن نجعلها إسماً هو بالتأكيد ليس على مسمى لحزبنا الحاكم