كنت قد عاهدت نفسي أن أبتعد عن كتابة تدوينات من نوعية تدوينة مصطفى الفقي أو تدوينة نبيل لوقا بباوي، وذلك رأفة بحال من يتابع المدونة فهو لاينقصه إستفزاز أكثر مما يراه كل يوم، ونظراً لكثرة أشباههم مما يوقعنا في دائرة التكرار الممل ولنا في معجزة عصره ممتاز القط خير مثال، ولكن مافعله اللواء عبد الفتاح عمر وكيل لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب فاق كل تصور وكل حدود ولاينبغي أن أكون مُستفزاً وحدي ففي تلك الحالة قد أصاب بمرض عضال يحير الأطباء ويصعب على المتخصصين علاجه، لذلك قررت الكتابة لعل وعسى من يوقعه حظه العاثر في قراءة التدوينة يشارك ويتحمل معي جزء خاص بهذا الإستفزاز ليكون هناك عدالة في التوزيع
لماذا يفعلون بنا هذا كله؟، ماهو الذي إرتكبناه في حق نائب الشعب حتى يجذبنا إلى هذا الدرك الأسفل من المهانة؟، قلنا من قبل لكم أن تحبوا مبارك كما يحلو لكم، وأن تشيدوا به وبإنجازاته ونبوغه وحكمته كما تشتهي أنفسكم، ولكن قليل من الكياسة والفطنة والعلم وأنت تتكلمون بإسم الشعب أو بإسم من يُعتبر أنهم منحوكم أصواتهم حتى ولو زوراً وبهتاناً
كان مجلس الشعب يناقش مد العمل بالقانون الخاص بتفويض رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون فى مجال الإنتاج الحربى لمدة ثلاثة سنوات، وهو مايعرف بإسم صلاحية شراء الأسلحة، وهو يعتبر قانون ذو شأن عظيم في بلاد تعرف الديمقراطية والشفافية، وبدلاً من أن يكون النقاش على مستوى أهمية القانون، يتصدى اللواء وكيل لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب، مطالباً بإعطاء الرئيس مبارك تفويضاً مطلقاً لإدارة كل شىء فى مصر، حتى لو أراد الرئيس الديكتاتورية فهو الديكتاتور العادل لأنه ليس شخصاً عادياً، وعلينا أن نسلم له رقابنا ورقاب شعبنا ونحن مطمئنون لأنه صمام الأمن، ومنقذ الوطن من براثن البعض .. والله قال كده بالنص
لا أدري كيف يخرج هذا الكلام من نائب من نواب الشعب ومسئولاً عن الأمن القومي، هذه مرحلة متقدمة جداً من مراحل تأليه الحاكم الذي قد نبدع أحياناً كشعب في تكريسها ولكن ليست إلى تلك الدرجة، ياسيادة النائب لا أدري كيف ترى نفسك عندما تخلو بها بعيداً وتضعك رأسك على الوسادة وتنام، ولا أدري كيف يمكن أن تتخيل رأي زملائك في قرارة أنفسهم عنك، ومن أجل ماذا في هذه الحياة يستحق أن تطالب بهذا المطالب المهينة، لن أقول أنك في مقتبل عمرك وتحتاج لمثل تلك الأقاويل ولكنك بلغت من العمر مداه وعاصرت خبرات حياتية كثيرة وعلمت كثيراً عن الديمقراطية وتجاربها والحرية وقواعدها والليبرالية ومنابعها، من هذا الذي على وجه الأرض الذي يجب علينا أن نسلم رقابنا له .. أجننت يارجل
وبعدين أنا مش فاهم إيه حكاية العدل معاكم ؟.. بباوي يقول إن عدل مبارك يعادل عدل عظيم الأمة الفاروق عمر بن الخطاب، وإنت بعدها جاي تقول حتى لو مبارك أراد الديكتاتورية فهو الديكتاتور العادل، أول مرة على فكرة أسمع المصطلح ده .. إنتوا بتألفوا؟، ياأخي قرفتونا خليتوا الواحد يكتب بالعامية، الكلام ده أخره ياسيدي لايصل إلأ أن يكون خرقة بالية لاتصلح لكي نمسح بها مؤخراتنا، أنتم تضربون الديمقراطية في مقتل ولاتعون شيئا عن الثقة والأمانة التي في أعناقكم بحكم مناصبكم ونيابتكم للشعب، أنتم تعيدون مصر لعصور الظلام وتجعلونها أضحوكة بين الشعوب عندما تصدر هذه المطالب من نواب الشعب، مصر في أوائل القرن الماضي قبل مائة عام كان تعيش أزهى ديمقراطية في مجالسها النيابية وأنت أتيت بما لم يأت به أحد قبلك
منذ عامين وأثناء إضراب 6 أبريل الشهير وأحداث المحلة خرج صبي في الحادية عشر من عمره في بلكونته بأحد الأدوار العلوية لمشاهدة مايحدث أحد شوارع المحلة، فأصابته رصاصة طائشة من أفراد الأمن أردته قتيلاً في الحال، ومابين لوعة الأب وحسرته على فقدان زهرة عمره في حديث باكى لكل من شاهده على برنامج الحقيقة لوائل الإبراشي ومابين حرقة قلب المشاهدين على مقتل هذا الصبي البرئ، إتصل اللواء عبد الفتاح عمر بالبرنامج يهاجم الأب والصبي ويتهمهم بأنهم السبب في هذا الحدث مستحدثا مصطلحاً جديداً عن ثقافة الوقوف في البلوكونات (أنا مش فاهم إيه حكاية المصطلحات معاه)، لدرجة أن بكاء الرجل مع حديثه كان يترجى فيك أن يعزيه فقط بكلمة بسيطة أو بشجب ماحدث وهو يرفض مكيلاً الإتهام للأب وسط دهشة الأب ومذيع البرنامج و ملايين المشاهدين
ياسيد عبد الفتاح إرحل أنت إلى مبارك لتمارس معه الديكتاتورية العادلة وتستمتع بها وسَلّمه رقبتك أو أعز ماتملك، وإتركنا نحن لله ليتغمدنا برحمته ولطفه
**********************
أعيد نشر هذه التدوينة في جريدة العربي الناصري