إحنا باين إنضحك علينا يارجالة
عصر كان له قيمة
لم أنتبه كثيرا لأحاديث والدي التي تعبر عن حبه لفترة الحكم الملكي ، وحبه للملك فاروق والملكة فريدة حبيبة الشعب وحكاياته الكثيرة عن أميرات القصر الملكي اللآتي كثيراً ماأخلط بينهن ، وكنت أعتبره نوعاً من النوستالجيا مثلما كان يحن عندما يزور القاهرة إلى شوارع وسط البلد ، وحكاياته عن وسط البلد وكيف كانت تضاهي شوارع أوروبا بمحلاتها أو بما يسمى بالديبراتمنت ستورز مثل شيكوريل وسمعان وبائعاته الجميلات المهذبات ، والنظافة والجمال المحيطين بوسط البلد ، وكيف كان يسهب في الحديث عندما تسأله من هو شريف المسمى على إسمه شارع شريف
كنت أعتبر حبه لتلك المرحلة نوع من أنواع الحنين التي تصيب الكثيرين في أربيعينات العمر ومايليها ، حيث كانت دائما الصورة المنطبعة في ذهني عندما يرد ذكر الملك فاروق هي صورة شخص بدين يحتضن إمرأتين إحدهما على اليمين والأخرى على الشمال ويشرب الخمر وأمامه طاولة طعام غالبا تحتوي ديوك رومي ، والبلد تضرب تقلب وهو غارق في ملذاته لا هم له إلا إقامة الحفلات الملكية لإصطياد الفتيات لتشاركنه الفراش ، أو على أسوا تقدير يقود سيارته في منتصف الليل ليزور إحدى عشيقاته ، هذه هي الصورة المنطبعة في أذهاننا جميعا سواء من خلال الكتب المدرسية أو الأعمال السينمائية أو الأجهزة الإعلامية
لكن يبدو أنه إنضحك علينا يارجالة ، ففي خلال الإحتفال بثورة يوليو التي أطاحت بالملك ، هذا العام بدأت تظهر نبرة جديدة تتحدث عن الثورة بشكل نوعا ما مختلف عما نعهده عليها وعلى مبادئها ، فبعدما بدأ الحديث في أعوام سابقة عن إنحراف الثورة عن مبادئها الستة ، والسلبيات التي حدثت خلال فترة الحكم الأولي للعسكر من الإستيلاء على قصور ومجوهرات العائلة المالكة ، ومصادرة ثروات الإقطاعيين لصالح مجموعة من المنتفعين ، أصبح الحديث اليوم عن هل هي ثورة فعلا أم حركة إنقلابية ، والحديث أيضاً عن تزييف تاريخنا الحديث الخاص بالفترة الملكية وبشكل خاص عن الحياة الخاصة بالملك فاروق والفساد والعهر السياسي خلال فترة حكمه
وجاءت النقرة الكبرى بمسلسل الملك فاروق والذي إستطعت بعد مشاهدة مجموعة من حلقاته حتى الآن ، أن أتفهم لماذا داخت مؤلفته د. لميس جابر السبع دوخات لمدة عشر سنوات حتى تقنع التليفزيون المصري أو قطاع الإنتاج بإنتاج المسلسل وفشلت ، فالمسلسل وللمرة الأولى يعطي صورة مغايرة تماماً للملك فاروق عن تلك التي نعرفها
لم نجده زير نساء بل لعله الأكثر إحتراماً في البلاط الملكي ، لم نجده عميلاً كما يشاع عنه بل هو أكثر بغضا للإحتلال عن سياسيين آخرين ، لم نجده سفيهاً بل وجدناه في أشد الأمور وطأة أكثر حنكة ، لم نجده متعصبا لرأيه قط بل كان دائماً ما يستجيب لأراء من حوله مادامت مقنعة ، بالرغم من أنه كان في سن الإندفاع ولقب ملك عرش مصر يمنحه كثير من القوة
في عصره وجدنا كيف يوجد برلماناً قوياً يستطيع أن يتصدى للملك ويجبره على الإنصياع له بأمر الشعب ، في عصره وجدنا إحتراماً كاملاً للدستور وماذا تعني صفة قدسية للدستور وكيف كان الملك حانقاً على الدستور الذي يقيد صلاحياته ولكنه في النهاية يستجيب له ، في عصره وجدنا كيف يُسقط البرلمان حكومات ويفرض على القصر شروط الشعب ، في عصره وجدنا كيف أن هناك حرية صحافة تستطيع أن تصل إلى داخل القصر بخصوصياته ولا يستطيع أن يفعل الملك شيئا أكثر من محاولة إخفاء أخبار تصرفات العائلة الملكية عن الصحافة ، في عصره وجدنا ملكاً كارهاً للإحتلال رافضاً لوجوده متحالفاً مع الحكومات المختلفة للخروج من الوصاية البريطانية
وأخيراً ... وفي نهاية عصره وجدناه كيف لم يحاول الدفاع عن عرشه وسلطته حتى لايسقط دم مصري واحد في سبيل تمسكه بكرسي العرش ، وقد كان يمكنه الإستعانة بالحرس الملكي أو القوات البريطانية التي كانت على إستعداد كامل للتدخل في أي لحظة
إحنا باين إنضحك علينا يارجالة
----------------------------------------------
أعتقد أن الأجيال القادمة عندما يُذكر لها فاروق ، فسوف تكون الصورة له هي صورة تيم الحسن بكل الصفات التي قدم بها ببراعة شخصية الملك فاروق ، بدلا من تلك الصورة المزيفة التي تظهر في أفلام نادية الجندي
-----------------------------------------------
تحديث
إكتشفت في هذا الرابط والراوابط الملحقة به مايتفق مع هذا البوست