Tuesday, June 29, 2010

قمة الهامبورجر وحزام الأمان




في بداية حياتي العملية كنت أحضر دورات تدريبية بالمركز الثقافي البريطاني للحصول على إحدى الدبلومات المتخصصة التي يمنحها المركز، أتذكر أن المدربة الإنجليزية كانت تقدم لنا في إحدى الحلقات الدراسية موضوعاً عن المانرز أو أساليب الشعوب في التعايش من واقع الفروق بين الطبقات، ولكي توضح لنا المدربة الغرض من الموضوع ضربت لنا مثلاً عن الفروق في العلاقة بين أفراد المجتمع الواحد من طبقات مختلفة وإختلافها من بلد لآخر، فمثلا في بلادنا العلاقة بين الرئيس والمرؤوس يتباعد الفارق بينهما بشكل كبير فتصبح العلاقة بين الرئيس أو المدير بالنسبة لمرؤسيه هي علاقة أساسها أن هذا المدير بالنسبة لمرؤوسه هو الشخص صاحب الأمر والنهي وصاحب الثواب والعقاب فيجب إتباع تعليماته دون نقاش أو جدال، ويمكن التجاوز عن كثير من إنتهاكاته لحقوق مرؤسيه المعنوية والشخصية، في حين أنه في دولة أوروبية بعينها تصبح العلاقة بين المدير والمرؤوس هي علاقة زمالة يحكمها في الأساس علاقة عمل، كل له دوره الذي يؤديه ولا فضل للمدير على المرؤوس وكلهما متساوون في الحقوق وتعاملاتهم تتم بندية ولايستطيع المدير أن ينتهك أي من حقوق المرؤوس الشخصية، ولذلك أمور مثل التحرشات أو الوصم في مجال العمل تعتبر عمل شائن لايمر أبداً مرورالكرام، كما أن المرؤوس لن يسمح لمديره بأي حال من الأحوال أن يقدم على إهانته أو التحرش به إو وصمه أو إزدراءه

ثم ضربت المدربة مثلاً أشد وضوحا أنه في بلد مثل هولندا سوف تجد الوزير بعد إنتهاء عمله يصطحب زوجته ويذهب بها لدور السينما وهناك عليه الإلتزام بدوره في صف حجز المقاعد وسوف يعامل معاملة عادية مثله مثل عشرات الأشخاص الذاهبون للسينما، وسوف يرحل إذا نفذت التذاكر دون أن ينال تذكرتيه، والمعاملة هنا ليست نتاج تعامل الوزير ولكنه نابع من ثقافة المواطن العادي في أن الوزير مثله تماماً يؤدي عمله وله حقوقه وعليه واجباته كما هو يؤدي عمله وله حقوقه وعليه واجباته، فلا يُمنح الوزير أمراً متميزاً ولا وضعاً خاصاً في أمور لها علاقة بالعامة، ثم عادت المتدربة وقارنت بين تلك الفروق ومايمكن ان يكون عليه الحال في بلادنا ولاداعي هنا لذكر طبيعة الحال فهي معروفة للجميع، أتذكر أن المدربة تقول أن هناك مقاييس معقدة لدراسة تلك الفروق وتحديدها بدرجات، فتقول مثلاً أن الفارق في معظم دول أوربا بين الطبقات تتراوح بين ثلاث درجات، بينما تتفاوت تلك الدرجات في بلادنا لتصل لتسع درجات مما يزيد المسافة والفارق بين أعلى طبقة وأقل طبقة إلى مستوى كبير، ويجب على الشعوب التي تبغي التنمية العمل على إنقاص تلك الدرجات إلى أقل رقم ممكن

دائماً ما أتذكر هذا القياس وذلك التشبيه الذي ذكرته المدربة الإنجليزية عندما أمر على مواقف تكون تلك الفروق شاسعة بشكل فاضح أو ضيقة بشكل ملحوظ، وآخر ماتذكرت هذا القياس يوم الجمعة الماضي عندما كنت أطالع بعض الأخبار على الإنترنت، عندما مررت علي قمة الهامبورجر



الحكاية ببساطة أن الرئيس الروسي ميديفيدف كان في لقاء مع الرئيس الأميركي أوباما وبينما موكب الرئيسين يمر في مدينة أرينجلتون بولاية فيرجينا، وبدون إعداد مسبق قرر الرئيسان تناول بعض الطعام فترجلا من سيارتهما وتوجها لمطعم محلي للوجبات السريعة إسمه رايز هيل برجر، وهو مطعم عادي يشبه مطاعم ماكدونالدز، وقف أوباما ومعه مديفيدف كأي زبونين يطلبان الطعام من على الكاشير ودفع أوباما الحساب وإنتظر باقي حسابه ثم توجها كلاهما إلى إحدى المناضد الخالية وجلسا عليها وسط بقية الزبائن في إنتظار طعامهما، طلب أوباما ساندوتش شيدر تشيز برجر ومثله طلب ميديفيدف مع بعض الإضافات من الماشروم والهالبينو، ولفت نظري أحد الاصدقاء على الفيس بوك بعد مراجعته الخبر أنهما تشاركا في طبق البطاطس أو الفرنش فرايز فلم يكن طلبهما حتى كومبو ميل، وأثناء تناول الطعام تشاركا في مناقشة بعض القضايا فأطلق الصحفيون على اللقاء قمة الهامبورجر

قد تكون هناك بعض الحراسات على الرئيسين وهذا شيئ مألوف وطبيعي ولكنها حراسات ذكية لاتنتهك حقوق الآخرين ولاتقدر وإلا أصبحت مشكلة كبيرة للحراس وللرئيس، وقد تكون الزيارة من قبيل الدعاية ولفت النظر ولكن في النهاية يتبقى موقف زبائن المطعم العاديين الذي كان تعاملهم مع الموقف على أنهما زبونين فلا تطفل عليها ولا إزعاج، بل كان كل منهم يتناول طعامه ويستغرق في حديثه منشغلا عنهما، تلك هي الثقافة لدى المواطن العادي التي رسخت فكرة تقليص الطبقات والفوارق بين أبناء الشعب الواحد في التعامل العام




تستوقفني دائماً تلك الأمور وأجد يومياً أخبار تؤكد تلك الفكرة في تقليص الطوابق، منذ أسبوعين كانت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا تحضر إحدى مباريات البلولو بويندسور وبعد نهاية المبارة إستقلت سيارتها الجاكوار وقادتها، وإلتقطتها كاميرا الديلي ميل وهي تقود السيارة بدون حزام الأمان وبالطبع بدون رخصة قيادة وهوجمت الملكة من الصحافة البريطانية بالرغم من أنها كانت لاتقود السيارة في طريق عام ولكن الصحافة وجدت في عدم إرتداء حزام الأمان خطأ شديد من الملكة، وقانونا عدم إرتداء حزام الأمان يعرض المواطن العادي لغرامة قيمتها ستين جنيهاً إسترلينياً ولكن قانوناً أيضا الملكة هي الشخص الوحيد الذي لايمكن تحرير مخالفة لها لأن المحاكم البريطانية تم إنشائها نيابة عن ملكة بريطانيا ولايجوز في تلك الحالة أن يكون المدعى عليها، لذلك كان توبيخ الصحافة ليس لعدم تحرير مخالفة ولكن لأن الملكة أقدمت على خطأ يعاقب عليه قانونا ًولايجوز لها أن تقدم على مثل هذا العمل حتى لو كانت محصنة من الإدعاء القانوني

فيه إيه .. مين دول .. إيه العالم الغريب ده ؟؟ أتعجب كثيراً عندما تمر علىّ تلك الأخبار وما أكثرها في نفس الوقت الذي تمر فيه الأخبار المحلية بتناقض كامل وواضح وعنوانه غالباً مايكون "إنت مش عارف أنا مين ؟" أتعجب أن هذا الفارق ليس فقط نابعاً من أداء الشخصية الهامة أو المسئولة ولكن أيضا في تعامل المواطن والإعلام لكل التجاوزات العنيفة التي تقابلنا يومياً .. فنحن للأسف حكاماً ومحكومين نحتاج لدروس كثيراً في فهم الديمقراطية قبل أن نجعلها إسماً هو بالتأكيد ليس على مسمى لحزبنا الحاكم


21 comments:

  1. انت مش عارف انا مين؟؟

    ازاي تنزل تدوينة زي كدة

    ReplyDelete
  2. منذ فترة ليست طويلة ساندنا وزيرة التعليم الكندي في ذلك الوقت ..كاثلين وين..في انتخاباتها التي كانت تخوضها مع الحزب الليبرالي ...دعوناها لتلقي كلمة في حفلة جمع تبرعات لمنظمة حديثة أنشأناها...كنت جديد في البلد كنت اتمني اشوف الذي وزيرة لدولة بحجم كندا سوف تستجيب لدعوة من مجموعه شباب ليس ابنهم ابن وزير ولا غفير حتى
    يوم الحفل ..جاءت في سيارتها النيسان البسيطة..تسوقها لوحدها ...ركنت السيارة ..سعدت لقاعة الحفل ..جلسة بين الناس ..اكلت من اكلهم وتحدثت اليهم بكل بساطة
    يومها تعجبت وفعلا قلت(ايه الناس دي ) ..ليه هم كده ...تخيل له عكسنا الموقف مع مدير شركة فقط ..فقط مدير ..وقارن..فرق كبير بينا وبينهم
    يعجبني التوازن في مدونتك..يعجبني اسلوب تفكيرك جدا
    تحياتي

    ReplyDelete
  3. الناس دول حيعمولنا خبلان في نافوخنا ولا ايه
    هههههههههههههههه
    فعلا التحضر حاجة وحضارة السبع تلاف سنة حاجة
    خالص تحياتي
    موجة

    ReplyDelete
  4. " أتعجب كثيرا عندما تمر علىّ تلك الأخبار في نفس الوقت الذي تمر فيه الأخبار المحلية بتناقض كامل وواضح وعنوانه غالباً مايكون "إنت مش عارف أنا مين ؟"

    وانا كمان بتعجب

    احنا لسه فخورين بحضارة 7000 سنة وخلاص لكن هما اتقدموا علشان عندهم احترام للقانون ورقي في التعاملات
    تخيل كده اتنين وزاء من عندنا راحوا مطعم عادي :) اكيد هيجيلهم تسمم :)

    ReplyDelete
  5. يا عزيزى يا احم بيك ...

    انت بتبص لدول من الفضاء الخارجى ...

    ولا احنا اللى من الفضاء؟؟

    :)

    ReplyDelete
  6. مافيش حاجه اسمها تواضع عندنا
    دي ملغيه من القاموس

    ReplyDelete
  7. لا حول و لا قوة الا بالله
    بيننا و بينهم كتير قوي فقي وضعنا الحالي

    ReplyDelete
  8. يحق لك التعجب وان نتعجب معك لسلوكهم فى عالمهم

    واما عند تعامل هؤلاء الديموقراطيين مع عاملنا سينعقد اللسان دهشه لسلوكهم فحينها لن تجد أثر لديموقراطيه ولا خلق ولا قيم ولا قانون ولا صحافه فقط الظلم والغش والتدليس ونهب الحقوق والصلف المعتمد على القوه

    ReplyDelete
  9. في بلادنا الحصانة والتعامل الفايف ستار ليس فقط للمسؤول وانما له ولاقاربه من كل الدرجات بل ولمن يعرفه مجرد اسمه يفتح الابواب المغلقة
    المقارنة التي عقدتها مثيرة للشجون فالفارق بيننا وبينهم في هذا المجال هو نفسه الذي بين السماء والارض
    دمت بود

    ReplyDelete
  10. I would add to your article, that we -Egyptians- are not different from them. we belong to the same race "Humans". They -Europeans or Americans- live just one sea away, may be an ocean in the worse case. The same Egyptians that live here, live there... but they behave differently !

    ReplyDelete
  11. حرام عليكم ايه اللى بتعملوه فينا دا يا شقير كفايه ضغط علينا أنا هكره نفسى بسبب كتاباتكم اللى عمرها ما هتقدم أنى لا أملك سوى أن أذرف دمهتين على عجزى

    ReplyDelete
  12. أنا هقولك حاجة واحدة مرحبا بك في مصر

    ReplyDelete
  13. أولا انا استوقفنى وأعجبنى جدا الصوره القفويه التى ينطبع عليها كف الحومه ويزين قفا الشخص المرسوم لدرجة انى عاوز اذنك فى استعارتها لمشروهى الجديد المسمى "قفا بوك" وهو منافس للفيس بووك المعروف للجميع وبدأت أدعو اليه أصدقائى هذا أولا
    ثانيا انت جيت عالوجيعه فى هذا البوست فنحن قوم ننقسم لجيش النمل الشغال وملكة النمل التى يسخر الكل للتهويه عليها وجلب الطعام لها وكنس العش والدفاع عنه ...كل شىء.. هذا الموضوع خطر على بالى عام 2008 فكتبت فيه القصيده المسماه مشمش يتحدث عن نفسه ارجو التفضل بالنقر على الرابط التالى لقراءتها فهى وصف لحالنا جميعا
    http://maxbta3zaman.blogspot.com/2008/09/blog-post_04.html

    ReplyDelete
  14. فعلا حاجة محيرة لما تكون الشرطة بتلاحقك عشان انت بتتكلم فى الموبيل ( ودة اكيد خطأ ) لكنى فى نفس الوقت بشوف رجل الشرطة داخل سيارتة بيتكلم فى التلفون والكلام دة مش فى مصر بس لا أنا ما زلت بشوفه هنا فى دول الخليج .. بس تقول أية لما تشوف رئيس وزراء بلدك احمد نظيف وهو نازل من شقتة فى سان ستفانو (المبنى المشهور عندنا فى اسكندرية))وكام سيارة مصفحة وطابور من الراشاشات بتمنع اى حد مناالمرور فقط أمام المول. دة بس عشان نازل يركب سيارتة مش يتمشى ع الكورنيش

    ReplyDelete
  15. الحاجات دي عجيبه قوي قوي ...علشان كده متلاقيهاش عندينا ....هو حضرتك متغيب ليه عن منتدانا الطيب؟

    المنتدى بيقول ايه داه انا في مصر والا إيه؟

    ReplyDelete
  16. عجبتنى "قمة الهمبرجر"حتى لو فى فيلم عربى من بتعنا مش بنشوف كده
    فعلا موقف يستحق اعادة نظر
    تحياتى لك

    ReplyDelete
  17. هذه هي مصر....او بمعني ادق هكذا الشرق الاوسط...لنا الله

    ReplyDelete
  18. تناول أوباما وميديفيد وجبة الطعام في مطعم هامبرحر قد يكون مؤشر إلى أن طباخ الوايت هاوس يحتاج طرد

    تحياتي

    ReplyDelete
  19. فى كينيا الافريقية مفيش وزير بيتفتحله الطريق مخصوص .. انما عندنا الموضوع برستيج شوية

    ReplyDelete
  20. مقال أكثر من رائع وامثلة مؤثرة جدا

    المؤلم أننا نندهش من كل ما ذكرته لأن المفاهيم قد انعكست واصبح الصواب خطأ والخطأ صوابا .. بينما كل ما ذكرته أنت من المفترض أن يكون أمرا طبيعيا

    Absolute right
    الصواب المطلق

    ReplyDelete
  21. الله المستعان

    بعيداً عن الحاكم والمحكوم

    حتى في أبسط وأتفهه مراكز القياده لدينا نجد هذا التناقض

    ReplyDelete