الآخر
© Image copyright by: Howard Hodgkin
خطوته البطيئة المصاحبة لصوت إحتكاك نعاله الخشن الصغيرعلى أرضية الممر المؤدي لدورة المياه تعبر عن الكسل المصاحب للإستيقاظ ، غسل وجهه بالماء دون صابون بعدما أفرغ مثانته من مياه هائلة تخيل أنها تماثل حجم زجاجة مياه غازية حجم عائلي لايدري متى تناولها ، لاحظ شيئاً غريبا في مرآة الحمام وهو يهم بمغادرته جعلته يعود خطوة للخلف بحركة تختلف عن حركته البطيئة ، لاحظ أن حركة صورته في المرآة لاتتطابق مع حركته ، وقف أمام المرآة مرة أخرى ثابتاً ناظراً لعينيه حرك رأسه ببطأ ناحية اليمين ، فوجئ بصورته ثابتة كما هي حدق فيها ورأسه مازالت مائلة ، لحظات ووجد ثمة إبتسامة صغيرة ساخرة لوجهه في المرآة لم ترتسم عليه في الواقع ، إزدادت دقات قلبه قبل أن يحل عليه الرعب وهو يخرج عدواً ولم ينسى أن يلقى نظرة خاطفة أخيرة على المرآة أكدت له ماشاهده مرة أخرى ، ألقى بنفسه على فراش غرفة نومه يلهث بشدة يحاول أن يتفادى حالة الإغماء ، قام بصعوبة ينظر لنفسه في مرآة غرفة النوم لم يلحظ أي شيئ غير عادي ، كانت حركته المتطابقة تماما في المرآة كما عهدها دائما كفيلة بأن تعيد إليه الهدوء وترسم إبتسامة ساخرة أشبه بالإبتسامة التي رآها على مرآة الحمام ، تذكر أنه إستمع أكثر من مرة أن الحمام تكثر فيه الشياطين والجن وأن مارآه لايعدو على عبث جنّي ، غير أنه لم يستريح لفكرة وجود جنّي بالحمام
هلعه لم يمنحه رفاهية إنتقاء زي عمل نظيف فأسرع بإرتداء ملابس الأمس التي تحمل معها عبق حرارة يوم عمل كامل لا قيمة له ، حيث يعمل كعامل في أحد مستودعات المواد الغذائية يقوم بترتيب البضائع طيلة اليوم فيستغرق ساعات في نقل بضائع قام بترتيبها سابقاً إلى موقع آخر يبعد عنها بضعة مترات بلا أي سبب يقنعه به أمين المخزن ، هبط الدرج عدواً بعدما أغلق باب منزله خلفه متعمدا عدم النظر إلى الحمام في طريقه إلى العمل ولم ينسى أن يمر على صالون الأسطى على الحلاق الخالي من الزبائن حيث فتح لتوه ، لم يلقى التحيه على الأسطى علي بعدما إنشغل بالكم الهائل من المرايات الموجودة التي لم تختلف عن صورة مرآة غرفة نومه
خرج وسعادته شغلته عن إلقاء التحية على الأسطى على المتعجب ، على زجاج السيارت المصفوفة المتربة أخذ يتصفح صورته بسعادة حتى كاد أن يسقط من على الحجر المصفوف في بركة المياة الآسنة وهو يري وجهه على سطحها لايختلف عن حقيقته ، تولدت لديه الجرأة أن يعود أدراجه ويذهب لرؤية مرآة الحمام مرة أخرى وأن يصطحب معه الأسطى علي ليكون شاهداً على النتيجة أي كانت ، قرر أن يعود ولكنه صرف نظر عن فكرة إصطحاب الأسطى علي لإدراكه أن عدم ظهور صورته الأخرى قد تكون بسببه
دخل منزله ولم ينسى أن يلقي السلام ويستعيذ بالله من الخبث والخبائث وهو يدلف إلى الحمام ، بهدوء إستجمع شجاعته واقفاً صامتاً ساكناً تماما ً أمام المرآة بضعة ثوان حتى إكتشف بداية إبتسامة ساخرة في الصورة على المرآة قبل أن تميل ناحية اليمين ببطء ، بحركة سريعة مفاجأة أمسك بيد المكنسة العتيقة هاويا بها على زجاج المرآة التي تحولت منمنات في لحظات ، تركها وخرج للشارع مرة أخرى منتشياً بالإنتصار وقبل أن يصل لصالون الأسطى علي توقف فجأة على شيئ غريب ، لاحظ أن ليس له ظل على الطريق بعدما تلفت يميناً ويساراً مكتشفاً أن جميع من حوله يلازمه ظله ، حاول أن يصرخ مستنجداً وشاهداً بالأسطى علي .... لم يخرج له صوت
*************************
تعليق لابد منه
أصحاب الأعمال العبثية والرمزية سواء في الكتابة او الدراما لايحبذون أن يشرحوا أو يوضحوا وجهة نظرهم في عملهم ، وذلك من منطلق أن العمل الخاص بهم يؤخذ من زوايا كثيرة ومختلفة ومتشعبة ، فالهدف عندهم ليست توصيل وجهة نظرهم في المقام الاول بقدر تقديم عمل يشد الإنتباه يجعلك تتواصل معه بلا ملل ويجذبك للمتابعة حتى النهاية وإعادة التفكير في بعض فقراته محاولة الوصول لفكرة أو رؤية بطريقة غير تقليدية ، يسعد صاحب العمل إذا شعر أنه نجح في أن تحرك ذهنك محاولاً إستقراء الفكرة وكلما تعددت الرؤى ووجهات النظر كلما شعر أنه نجح ، أما القارئ بشكل عام فهو يفضل في النهاية أن يعرف ماهي الفكرة التي كان يقصدها صاحب العمل وماكان يعنيه في كتابته من رمزية كنوع من التواصل بينهما وإلى أي مدى إستطاع أن يقف القارئ على مايطرحه صاحب العمل
مخالفة للآخرين .. أنا من النوع الذي يحب أن يفسر بعض الكتابات الغامضة أو الرمزية ، ولايعني وصولك إلى غير ما أعنيه هو خطأ في كتابتي أو قراءتك فالعكس هو الصحيح ، فكلما تعددت الرؤى ووجهات النظر كلما يعني ذلك الثراء في الخيال والتعبير ونجاح لصاحب العمل ، لذلك فهو يتردد في أن يعرض مايعنيه صراحة حتى لاتقل مساحة التخيل
في السطور القليلة القادمة سوف أضع مثال لذلك بتحليل النص السابق بعد عدد من التعليقات التي تحرك ذهنها في رؤية النص
القصد الأساسي من النص يكمن في العنوان الرئيسي ألا وهو "الآخر" وفكرة قبوله والتعايش معه ، الآخر هنا هو الصورة في المرآة ، فنحن نقبل الآخر عندما يتطابق معنا ومع ميولنا وننزعج كثيراً إذا فوجئنا يوماً أن الآخر يختلف معنا ولو ظاهريا فيما نعتقده ، والبطل يظل متعايشاً مع الآخر طالما مطابقاً له ولكنه إنزعج وإرتعد من مخالفة الآخر له ولم يستطع التعايش معه وإرتضى فكرة أنه من الخبث والخبائث التي يجب هدمها كي يستطيع أن يحيا ، والآخر رضينا أم أبينا موجود معنا وعندما تخلصنا منه وفقدناه فقدنا أنفسنا وأصبحنا معيبين متمثل ذلك في فقد البطل لظله الذي كان يلازمه ولن يستطيع أن يتواصل مع العالم المحيط متمثلا في فقدانه النطق
عدم تحديد إسم للبطل متعمد ليعبر عن الشمول والتعميم للفكرة ، الحركة في القصة المتمثلة في الخروج والدخول والسكون والسرعة تمثل الإنفعال الزائد والتحول السريع الذي يتولد عند التعامل مع الآخر المختلف
ذكرتني تلك القصة بفيلم نيكول كيدمان
ReplyDelete(( The Others ))
... ربما في النهايه هو العفريت ولكنه لا يدري ... هههههههه
خالص التحيه يا أحمد
هل تريد أن تقول أنه هو الصورة والآخر في المرآة الأصل؟
ReplyDeleteامممممممم
ReplyDeleteيا تري ليه ؟
يمكن عنده هلاوس بصرية ؟
اوممكن يكون مراة الحمام نافذة الي عالم اخر ؟؟
او ممكن مثلا ....؟
مش عارفة
عفاريتي بقي
الحكاية دي خلصت كدة ولا ليها باقي ؟؟
إنا فى الأول قولت أن شبيهه فى المراية هو أحلامه و نفسه اللى ضاعت منه فى خضم الجرى وراء لقمة العيش و الطقوس اليومية
ReplyDeleteبس بعد شوية قولت لأ دا لوحده خالص كأنه شبح و متفقة مع إفندينا فى الخاطر اللى جاله بإنه لا يعيش فى دنيانا ....
بس القصة كلها شجن ممزوج برعب
تسلم إيدك
و تحياتى
lol
ReplyDeleteحلوة حكاية الشرح دي، جديدة يعني
عجبتني القصة
طيب الناس البسيطة العوام امثالي يقروا القصة بالكتالوج بتاعها؟
ReplyDeleteلا مش حلوة اللي على بلاطة احسن
اوروفوار
عجبتنى القصة اوى و اللى عجبنى اكتر تحليل حضرتك فى النهاية ..فى حاجات كتير بقرئها بتعجبنىو بتشدنى لكن مش بوصل للفكرة اللى الكاتب كان عايز يوصلها بالظبط
ReplyDeleteلا انا افضل اللي من غير كتالوج رغم انه في كتابات كتير بروح ابارد واسأل الكاتب يقصد ايه يقوم يرد دايما بعنجهيه
ReplyDeleteالقصه طلعت من ايدي بقت ملك المتلقي
:))
كنت بقول افضل اللي من غير كتالوج عشان الواحد ممكن يفهم النص بطريقته الخاصه ولا تتعارض مع شرح الكاتب يحس انه هو اللي غلط او فهمه يمكن قاصر
:))
عموما تسلم ايدك
جميله
كعادتك مممتاز يا أحمد
ReplyDeleteسرد سريع وغير ممل وترابط بين اجزاء القصه
انا شخصيا بميل للاعمال المباشره , لكن بحب برضو الاعمال الرمزيه لو مفيهاش كم كبير من الرموز , اما الاروع فهى الاعمال الى ينفع تتقرا كعمل مباشر او كعمل رمزى زى يوتوبيا لاحمد خالد توفيق وفيلم ارض الخوف
تقبل تحياتى .. وياريت تقولى رايك فى البوست الاخير لى
سلام
بجد جميلة وعميقة
ReplyDeleteعجبتني
تحياتي
This comment has been removed by the author.
ReplyDeleteالتحليل رائع و عميق ذكرني بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( لتسوون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) رواه مسلم
ReplyDeleteأي أن وقوف المصلين بنفس الوضعيه يؤدي إلى نوع من الألفة و التواصل أما
عدم تساويهم في الصفوف و الحركات يؤدي الى التنافر بينهم (( ليخالفن الله بين قلوبكم))و نفس الشيء في الحج جعل الله الحجاج جميعا بنفس اللبس وبنفس المكان والزمان والهيئه والتلبيه وبنفس نبرة الصوت ليكون هناك ألفه و تواصل بينهم
رائعة الفكرة و مميزة
أرق تحياتي
كريمان زمزم
I've read it long ago... but..always something occurs with my pathetic net :( lol
ReplyDeleteand when I came back..la2eit daleel el taleb :D...bs I skimmed it quickly..so as not to spoil my own understanding..t
on first reading it...it just recalled to my mind Dr. Ahmed Khaled Tawfiq's stories..and this idea of the Other one..and gothic mood! :)
I liked how you traced that insanity going on his mind... It's that ego of man..just to keep deluded..and see none but himself..and others..follow him as his " accompanying shadow"...but that one whoever disagrees with him...in thinking, in culture, in nationality, in background... infuriates him..challenges him..and drives him crazy..thinking something wrong has gone to the world... as if "my way or the high way"
is really man that obssessed with his ownself?
History..says so!
Or it could be..it's just his duality of his self...that one side..has conquered the other one...that's why..he could not even scream for help..by the very end!
anyhow..it's a very nice one..and it could be variously interpreted, though! :)
My best regards :)
بجد ابهرتنى بعمق القصه يا احمد.
ReplyDeleteمع انى كنت اتمنى انك تقفلها بغموض من غير شرح.
بس صدقا استاذ ورئيس قسم.:-)
محمد من جده